زعيم كردي أثار الجدل وشغل المنطقة لنحو ربع قرن يصفه الأكراد بالزعيم الخالد، ويطلق عليه خصومه أوصافا تبدأ بالدهاء ولا تنتهي بالخيانة، لكن أحدا لا يستطيع أن ينكر عليه إصراره وقدرته على المناورة السياسية وزعامته للحركة الكردية في العراق طوال عدة عقود بلا منازع.
سمي بالملا لمكانة عائلته الدينية التي ورثتها عن جده وأبيه، وبدأ في عمر مبكر رحلة العمل المسلح، فقد شارك على رأس قوة من مائتي مقاتل في حركة الشيخ محمود الحفيد البرزنجي عام 1919 عندما كان في السادسة عشرة من عمره وسافر عام 1920 إلى تركيامبعوثا من أخيه الأكبر أحمد البارزاني للتنسيق مع الشيخ سعيد بيران الذي قاد بعد ذلك حركة واسعة ضد حكم مصطفى كمال اتاتورك وبعد ذلك بنحو عقد كان قد بدأ رحلة طويلة من التحرك المسلح ضد الحكومات العراقية حتى موته.
في عام 1932 قاد مقاتليه البرزانيين من بارزان لمواجهة الحكومة العراقيةوقد خسر تلك المواجهة والقوات البريطانية التي كانت تحتل العراق، ونظرا لعدم تكافؤ القوى اضطر الى الانسحاب واللجوء الى تركيا مع عدد كبير من المسلحين وعائلاتهم ، اعتقلت السلطات التركية أخاه الشيخ أحمد وسلمته الى السلطات العراقية فنفته الى الموصل. عام 1933فاوضت الحكومة العراقية الشيخ أحمد فحضر الملا مصطفى الى الموصل للتفاوض فوضع بالإقامة الجبرية ونفي الى خارج بارزان حيث بقي منفيا حتى العام 1943 عندما نجح بالهرب من مدينة السليمانية بمساعدة بعض الأشقاء الأكراد وحزب هيوا الكردي وعاد الى بارزان عبر كردستان ايران.
في عام 1945 عاد لمقاتلة القوات العراقية، لكن حركته انتهت ليتوجه إلى مهابادالإيرانية حيث أعلنت أول جمهورية كردية بمساعدة السوفييتعام 1946 وترأسها قاضي محمد وتولى البرزاني قيادة جيش الجمهورية الناشئة بعد أن منحته موسكو رتبة جنرال حتى لقب لفترة بالجنرال الأحمر.
كان من بين قادة جمهورية مهاباد القلائل الذين تمكنوا من الهرب قبل انهيار تلك التجربة الكردية في نفس عام إنشائها، فقد نجا من جيش شاه إيران الذي اقتحم مهاباد وأعدم رئيسها ومساعديه، وقد شارك فبل هربه في تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي عرف آنذاك بالبارتي، وأرسل مساعديه إلى السليمانية ليعقدوا أولى مؤتمرات الحزب هناك. بعد خروجه من إيران توجه إلى العراق إلا أن الجيش العراقي تصجى له فهرب مع 500 فرد من مقاتليه إلى تركيا ثم عاد إلى إيران مجددا وبعد معركة حاسمة دخل مصطفى البرزاني وقواته الاتحاد السوفيتي ولم يعودوا إلى العراق إلا بعد ثورة تموز 1958 التي أطاحت بالملكية، حيث استقبله زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بحفاوة ومنحه الكثير من الامتيازات، لكن ذلك لم يكن كافيا لحل المشكلة الكردية، فاستأنف الملا مصطفى عام 1961 حركته المسلحة ضد قاسم بعد مطالبة البرزاني بكركوك واعتبارها منطقة كردية، لتستمر هذه المرة أربعة عشر عاما متصلة برغم تغير الوجوه والنظم الحاكمة في بغداد وكان يتلقى الدعم من إيران.
خلال قيادته للحركة الكردية تقلب البارزاني في تحالفاته مع أطراف عديدة لدعم حركاته المسلحة، فقد تحالف مع إيران وسوريا وأميركا وبريطانيا والاتحاد السوفياتي وإسرائيل من أجل تحقيق أهدافه. وبقيت علاقة بإسرائيل من اكثر العلاقات وأوثقها لدرجة انه عين نائبا يهوديا له يدعى أفرايم.
خلال الستينات من القرن الماضي درب خبراء عسكريون اسرائيليون المقاتلون الأكراد التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني وقد اطلق على عملية تدريب الأكراد اسم خارفاد (السجادة) في عام 1966 تم انشاء مستشفى ميداني في شمال العراق بادارة المقدم ابراهام تدمور قائد مدرسة الطب العسكري في الجيش الإسرائيلي والذي سبق له ان عمل قائدا لسلاح الممرضين في لواء جبعاتي وضابطا للتوجيه في قيادة السلاح الطبي وقد ساعده في عمله ممرضان عسكريان هما موشيه ارييل وشمعون افرات اما الطاقم الطبي المدني فقد ضم طبيبين هما د.اورلي اسرائيل فرند والذي كان يعمل طبيبا لوحدة مظليين احتياط وانضم اليهما د.دوف ايتسكوفيتش وهو طبيب اسنان وجاء خصيصا لمعالجة اسنان البرزاني كما قام البرزاني بعدة زيارات لإسرائيل كان أولها في العام 1968 حيث هبطت الطائرة التي اقلته على مدرج جانبي في مطار اللد وكان بصحبته المفتي وخمسة حراس شخصيين سلحين ببنادق كلاشينكوف.
في عام 1975 عقد العراق اتفاقية مع إيران عرفت باتفاقية الجزائر أنهت طهران بموجبها دعمها لحركة الملا مصطفى، فانهارت قواته على الفور وبدأ من جديد رحلة لجوء إلى إيران ثم إلى أميركا قبل أن يموت هناك في 1 آذار/مارس1979 بمرض السرطان.
يقول عنه خصومه الذين يعترفون بدهائه السياسي والعسكري أنه فوت العديد من الفرص للحل وبالارتهان للقوى الأجنبية التي دعمته على حساب الأمن العراقي لا سيما من خلال علاقاته الوثيقة مع إسرائيل، أما أنصاره فيقولون إنه من وضع القضية الكردية على الطاولة الدولية وإنه فعل ما كان يتوجب فعله لخدمة قضية الكرد حسب وصفهم.